كانت الجيادُ تضرب بحوافرها الترابَ فتثيرُ نفرتَه، وتملأ الجو بِغَبرةٍ غير منتهية. "سليمان ابن عبدالملك" ومعه "يزيد بن المهلب" في أرض الشام أيام الربيع. للجندِ صهواتُ الجياد، وللجيادِ ظهرُ الأرض واتساعُ ممالك المسلمين. امرأةٌ جالسةٌ على قبر زوجها الراحل الذي أعطاها عمره، وأعطته قلبها ووفاءَها على مَرّ السنين حتى انقضى الأجل وحانت الساعة.
قال "سليمان": فلما رَفَعَت عن وجهها البرقع رأيتُ الشمسَ قد أضاءَت فكشفت عن الغمام، وأتت من بعيدٍ بالبهجة والرضا وعشق الوجود. جمالُها يسطع، ونورُها يضيء. فوقفنا متحيرين ننظرُ إليها، فقال لها "يزيد بن المهلب": يا أمةَ الله هل لك في أميرِ المؤمنين زوجاً يسترُك في الحياة، ويهبُك السلطةَ والسلطان، والبهجة والعرفان عوضاً عمن مات وأصبح رميماً.
قال "سليمان": فَنَظَرَت إلينا بعين نجلاء منكسرة وقد همت منها الدموع، وشعرنا بفداحة حزنها، وجلال وفائها عندما أنشدت :
فإن تســألُـني عن هـواي فإنه يـجــولُ بـهــذا الــقـبــرِ يــا فَـتَـيَـــانِ
وإني لَأَسـتَحيـيه والترابُ بيننا كما كنتُ أستحييه وهو يراني